خصوصيات الحسد

فنقول في أنواع الحسد وأقسامه ومواضعه:

1- ((أنواع الحسد ))
فأما أنواعه فنوعان رئيسيان:
النوع الأول : حسد الجن للإنس:
وهي أول معصية عُصي الله تعالى بها في السماء، وحسد بها إبليس أبانا آدم عليه الصلاة والسلام, فنتج من حسده تلكم المؤامرة الخبيثة لطرده وإخراجه من الجنة، لتبدأ دورة الصراع بين الخير والشر بحكمة أحكم الحاكمين سبحانه.
وهذا الحسد مغروس متأصل في نفوسهم لا ينفك عنها إلا بإسلام من يسلم منهم ويهتدي ويدخل في رحمة الله تعالى وقليل ما هم.
وهذا الحسد الموروث يوجد ما يغذيه في هذه الدنيا وهذا الكون.
وهو الفضل الديني والدنيوي الذي خصّ الله تعالى به بني آدم دون الجن.
- فأما الفضل الديني فهو الهداية والنبوة التي جعلها الله تعالى فيهم .. والهداية ثمرة النبوة ، وقد جعل الله تعالى في الجن النُّذُر والمنذرين والدعاة فقط.
- وأما الفضل الدنيوي فهي عمارة هذا الكون وحضارته وبناؤه والتي قام بها الإنسان المستخلف في هذه الأرض وهذا العالم .
النوع الثاني: حسد الإنس للإنس:
ومضمونه تمني زوال تلك النعمة عن الإنسان سواءاً حصلت للحاسد – وهو الأكثر – أو لم تحصل له، وأصلها "نظرة الإعجاب" وقد أوجب الشرع أن يصاحبها الدعاء بالبركة، كما علّمنا القرآن أن نقول مُسَلّمين متأدّبين قائلين: "ما شاء الله لا قوة إلا بالله" أي هذا ما صنعه الله تعالى ولا قوة إلا بالله سبحانه. ومنشأ الحسد حب الدنيا والتنافس فيها وهو سبب ضعف هذه النفوس ومرضها.
والعلاج الجذري لهذا الفساد إنما يكون بتعظيم الخالق سبحانه وتعظيم صفاته واليقين بها أولاً.
ثم تعظيم دين الله تعالى وهو تعظيم شعائره وتقديم الدين على ما سواه وعلى ما خالفه أبداً، ثم اليقين بالآخرة وبوعد الله تعالى ووعيده وإيثار ذلك على متاع الدنيا الفانية.
هذا هو العلاج الجذري لصلاح الأمة والمجتمع والأفراد وتطهيرهم من دنس الحسد وأسبابه .. ليُستبدل الحسد بأداء الحقوق وبالتضحية والبذل والإيثار والله المستعان.

2- ((مواضع الحسد ))
وإن للحسد مواضعَ متعدّدة تقعُ عين الحاسد عليها ..
وتعداد هذه المواضع ضروريٌ لنا لأجل تحصين هذه المواضع ووقايتها أولاً ولأجل كيفية علاج هذه المواضع المحسودة ثانياً
وهذه المواضع بالترتيب التالي:
أ- الحسد على العلم الديني والنعمة الدينية أو العلم الدنيوي.
فالعلم الديني: كحفظ القرآن، وجمال الصوت به وهذا غالباً ما يؤثر على الجهاز التنفسي ضيقاً وكتمةً وعلى الحنجرة والحبال والصوتية أيضاً.
ومثال الحسد على النعمة الدينية: حسد النبي صلى الله عليه وسلم على نبوته من قبل بعض قريش وغيرهم من اليهود.
والعلم الدنيوي: كالنجاح المتميّز ونيل الشهادات في العلوم ونحوها.
ب- الحسد على حب الناس وذكرهم بالخير والسمعة الطيبة بينهم..
وذلك أن محبّة الناس لشخص ما وتمييزهم إياه سواءً على مستوى الأسرة أو المجتمع فإنه من دواعي الغيرة والحسد.
وهذا هو أصل حسد إخوة يوسف عليه السلام لأخيهم.
ج- حسد الجسد صحته , أو جماله .
وهذا يشمل الأطفال , والبنات , والنساء , والرجال ...
- فأما الأطفال فأكثر ما يُحسدون على عيونهم , وشعرهم , وجمال منطقهم , وكثرة حركتهم .
- وأما البنات فأكثر ما تُحسد على شعرها , وجمال بشرتها , وعلى دراستها
- وأما النساء فتُحسد على صحتها , أو حملها ونحو ذلك .
- وأما الرجال فيُحسدون على صحتهم , وعلى نجاحهم ... ويُؤثّر حسد النجاح على الصحة أيضاً .
د- حسد الأولاد :
وهذا يشمل الحسد على عددهم , وعلى نوعهم ذكوراً وإناثاً , وعلى صحتهم وعلى نجاحهم , وعلى أُلفتهم ومودتهم .
وهذا الحسد هو الذي خافه نبي الله يعقوب عليه السلام على أولاده لما أوصاهم (وَقَالَ يَا بَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الحُكْمُ إِلَّا للهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ المُتَوَكِّلُونَ) (يوسف/67).
ه- حسد الملابس والثياب:
ويقع عليها سواءاً كان أصحابها فقراء أو أغنياء ، فالحسد يقع على ما ظهر من الحال والجمال ، وإذا اتفق جمال الإنسان مع جمال الهيئة والملبس كان أدعى للحسد ووقوعه بإذن الله تعالى .
ويؤثر هذا الحسد على ما وقع عليه من الملابس فيحصل له التشقّق والتلف والاتساخ , ويتعدّاه إلى صحة الشخص وسلامته ...
و- حسد الأموال والأعمال :
وهذا الحسد يقع على رأس المال , والرواتب والعلاوات , والترفيعات , كما يقع على شركة الشركاء وبالتالي يؤثر على سلامتها , وعلى شغلها ومرابحها وعلى بركتها , وعلى اتفاق أصحابها .
ي- حسد البيوت والعقار:
ويقع على البناء نفسه , وعلى الأرض نفسها...
ويؤثر على صحة أصحابها وعلى سلامتهم أحيانًا , كما يؤثر على بيعها ونحو ذلك .
د- الحسد على الزرع والثمر:
ويقع على الغرس وثمره , كما يقع على نفس العقار والأرض ...
وهذا يؤثر على سلامة الثمر ووفرته ، ولربما قتل الشجر كما رأيناه , كما يؤثر على العقار وإمكانية بيعه كما سبق .
ر- حسد الأثاث :
وهذا يقع على الأواني المنزلية خاصة الكؤوس , كما يقع على الفراش وغيره وينتج منه تكسر الأواني , وتشقق الأثاث من غير سبب وقد رأينا منه عجباً
ز- حسد المراكب كالسيارات ونحوها:
وهذا الحسد يقع عليها فيُسبب لها الأعطال الغريبة خاصة في التشغيل ، وتكثر أعطالها وخرابها كما ينتج منه الحوادث , ولربما يؤثر على صحة مالكها وسائقها من غير ما حادث أيضاً

3- ((خصوصية الحسد وقايةً وعلاجاً))
أ- (خصوصية الحسد في الوقاية)
إن الإرشاد النبوي الشريف المتمثل في قوله صلى الله عليه وسلم ((استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان فإن كل ذي نعمة محسود)) وفي رواية ((فإن لكل نعمة حاسداً )) صحيح الجامع ، (943) .
إن هذا الإرشاد النبوي لَيُعْلِمُنَا أن أصل هذه الوقاية يكمن في إخفاء وكتمان هذه النعم المتميزة عن عموم الناس ، والذين لا تُعرف نياتهم تجاه صاحب النعمة, ويستثنى من هذا الكتمان خاصةُ الناسِ من أهل المحبة والصدق والخلق الحسن .
ويشبه ذلك حديث الرؤيا الحسنة المبشرة حيث أرشدنا نبينا صلى الله عليه وسلم ألاّ نقُصّها إلا على عالم بالتأويل أو ناصح مخلص لنا...
فإن ممن فهم هذا الإرشاد النبوي الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه فإنه رأى مرة صبياً فأمر بتسويد نونته (ذقنه) لكي لا يتعرض للحسد.
فالسبب الوقائي الأول: هو الكتمان والإخفاء لهذه النعم خاصة عن العامة ومجامع الناس.
وأما السبب الثاني: فإنه يتمثل في التحصين لهذه النعم وذلك بـ:
* قراءة المعوذات صباحاً ومساءاً, وخروجاً ودخولاً, ونوماً واستيقاظاً، وعند أي طارئ من نظر ناظر وإعجاب مُعجب.
* تكرار كلمة " ما شاء الله لا قوة إلا بالله " في كل وقت خاصة عند الخروج إلى الناس وقبل التعرض لنظرهم , وأثناءه وبعده, وعند أي طارئ يحدث فيه ما يخشى منه، ولو أضيف إلى ذلك " ما شاء الله على نفسي ومالي وولدي وما أملك " ... كان حسناً .
ب- (خصوصية الحسد في العلاج)
* وخصوصيته ها هنا أعجب إذا أمر الشرعُ الحكيمُ العائنَ الحاسدَ أن يغتسل لمحسوده ، فيتوضأ ويغسل طرف إزاره الداخلي ثم أمر أن يُصب هذا الماء على المصاب بالعين ليقوم بعد ذلك من إصابته مشافى معافى ...
ولا يجوز لمن طُلِبَ منه هذا الغسل أن يرفض ، لأنه ربما أصاب بعينه من غير قصد للأذى ولكن من جَرّاء الإعجاب الشديد غير المصحوب بذكر الله تعالى ولذلك نقول في ترتيب علاجه :
* معرفة العائن الحاسد بحسب الحال والواقع لقول النبي صلى الله عليه وسلم في قصة سهل بن حنيف: ((من تتهمون ؟)).
* طلب الغسل منه ورؤية ذلك منه بحيث يغسل أمامنا ويتوضأ أمامنا
* طلب شيء من ثيابه بالحيلة وتغطيسه بالماء وغسله به واستعمال هذا الماء من قِبَل المريض اغتسالا .
* رقية المصاب بالمعوذتين مع التركيز على الآيات التي يذكر فيها الحسد لقول النبي صلى الله عليه وسلم لأسماء بنت عميس في أولاد
* جعفر بن أبي طالب : (( ارقيهم )) لما قالت له : ( تسرع إليهم العين )